فصل: ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة

فيها أغارت التركمان مرات على بلاد سيس فقتلوا ونهبوا وأسروا وشفوا الغليل بما فتكـت الأرمن ببلاد قرمان‏.‏

وفيهـا في صفر توفي الأمير علاء الدين الطنبغا المارداني نائب حلب رد خارج باب المقام وله بمصر جامع عظيم وكان شاباً حسناً عاقلاً ذا سكينة‏.‏

وفيها مزقنا كتاب فصوص الحكم بالمدرسة العصرونية بحلب غقيب الـدرس وغسلنـاه وهـو من تصانيف ابن عربي تنبيهاً على تحريم قنيته ومطالعته وقلت فيه‏:‏ هـذي فصـوص لم تكن بنفيسة فـي نفسهـا أنا قد قرأت نقوشها فصوابهـا فـي عكسها وفيها توفي بحلب الأمير سيف الدين بهادر المعروف بحلاوة أحد الأمراء بها وله أثر عظيم في القبض على تنكز وكان عنده ظلم وتوعد أهل حلب بشر كبير فأراحهم الله منه‏.‏

قلت‏:‏ حلـاوة مـر فمـا أملحه أن يدمنا إلى البلى مسيرا وفي الثـرى مكفنـا فيها في صفر بلغنا أنه توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن المرحل النحوي الحراني الأصل المصري الدار والوفاة كان متضلعاً من العربية وعنده تواضع وديانة نقلت له مرة وهو بحلب أن أبـا العبـاس ثعلبـاً أجاز الضم في المنادى صاف والشبيه به الصالحين للألف واللام فاستغرب ذلك وأنكره جداً ثم طالع كتبه فرآه كما نقلت فاستحيـى مـن إنكـار ذلـك مـع دعـواه كثـرة من بعد يومـك هـذا لا تنقل النقل تغلب لو أنـك ابـن خـروف مـا كنـت عنـدي كثعلـب وفيهـا في ربيع الأول وصل يلبغا التجباوي إلى حلب نائباً وهو شاب حسن كان الملك الناصر يميل إليه وأعطاه مرة أربعمائة ألف درهم ومرة مائة فرس مسومة وغالب مال تنكز وتولـى نيابة حماة مكانه سيف الدين طقزتمر الأحمدي وعنده عقل وعدل وعند يلبغا عفاف عن مال الرعية وسطوة وحسن أخلاق في الخلوة‏.‏

وفيه سافر قاضي القضاة بحلب بدر الدين إبراهيم بن الخشاب إلى مصر ذاهباً بنفسه عن مساواة القرع وذلك حين بلغه تطلب القرع بحلب ولابن الخشاب يد طولى في الأحكام وفن القضاء متوسط الفقه‏.‏

وفيه توفي سليمان بن مهنا أمير العرب وفرح أهل إقطاعه بوفاته‏.‏

والقاضـي شرف الدين أبو بكر بن محمد بن الشهاب محمود الحلبي كاتب السر وكيل بيت المال بدمشق توفي بالقدس الشريف كتب السر بالقاهرة للملك الناصر محمد أولاً‏.‏

وفيـه وصـل عسكـران مـن حمـاة وطرابلـس للدخـول إلـى بلـاد سيـس‏.‏

لتمـرد صاحبهـا كنـد اصطنيل الفرنجي ولمنعه الحمل ومقدم عسكر طرابلس الأمير صلاح الدين يوسف الدواتدار يـا ناظـري بيعقـوب أعيـذ كمـا بما استعاذ بـه إذ خانـه البصـر قميص يوسف ألقاه على بصري بشير يوسف فاذهب أيها الضرر فأنشدت بيتين لي ينفعان إن شاء الله تعالى لحفظ النفس والدين والأهل والمال وهما‏:‏ أمررت كفا سبحت فيها الحصى وروت الركب بمـاء طاهـر على معاشـي ومعـادي وعلـى ذريتـي وباطنـي وظاهـري وفيهـا فـي جمـادى الأولـى عـاد العسكر المجهز إلى بلد سيس وما ظفروا بطائل وكانوا قد أشرفوا على أخذ أذنة وفيها خلق عظيم وأموال عظيمة وجفال مـن الأرمـن فتبرطـل أقسنقـر مقـدم عسكر حلب من الأرمن وثبط الجيش عن فتحها واحتج بأن السلطان مـا رسـم بأخذهـا وتوفي أقسنقر المذكور بعد مدة يسيرة بحلب مذموماً وأبى الله أن يتوفاه ببلاد سيس مغازياً‏.‏

وفيها نقلت جثة تنكز من ديار مصر إلى تربته بدمشق وتلقاها الناس ليلاً بالشمع والمصاحف والبكاء ورقوا له ووقع بدمشق عقيب ذلك مطراً فعدوا ذلك من بركة القدوم بجثته‏.‏

وفيها في جمادى الأولى توفي بدمشق الإمام العلامة شمس الدين محمد بن عبد الهادي كان بحراً زاخراً في العلم‏.‏

وفيه قتل الزنديق إبراهيم بن يوسف المقساتي بدمشق لسبه الصحابة وقذفه عائشة رضي اللـه عنهـم ووقوعـه فـي حـق جبريـل عليه السلام‏.‏

وفيها في العشرين من شهر وجب توفي بجبرين الشيخ محمد ابن الشيخ نبهان كان له القبول التام عند الخاص والعام وناهيك أن طشتمر حمص أخضر على قوة نفسه وشمعه وقف على زاويته بجبرين وحصة مـن قريـة حريثـان لهـا مغـل جيـد وبالجملـة فكأنمـا ماتـت بموتـه مكـارم الأخلاق وكاد الشام يخلو من المشهورين على الإطلاق‏:‏ قلت‏:‏ وكنت إذا قابلت جبرين زائـراً يكون لقلبي بالمقابلة الجبر كأن بني نبهان يوم وفاته نجوم سماء خر من بينها البدر زرته قبل وفاته رحمه الله فحكى لي قال‏:‏ حضرت عند الشيخ عبس السرجاوي وأنا شاب وهو لا يعرفني فحين رآني دمعت عينه وقال‏:‏ مرحباً بشعار نبهان وأنشد‏:‏ وما أنت إلا من سليمى لأننـي أرى شبهـاً منها عليك يلوح وحكى لي مرة أخرى قال أحضرت بالفوعة غسل الشيخ إبراهيم ابن الشيخ لما مات وقرأنا عنـده سـورة البقـرة وهـو يغسـل فلمـا وصلنـا إلـى قولـه تعالى ‏(‏ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‏)‏ رفعنا أيدينا للدعاء فرفع الشيخ إبراهيم يديه معنا للدعاء وهو ميت على المغتسل ومحاسن الشيخ محمد وتلقيـه للنـاس وتواضعـه بـه ومكاشفاتـه كثيـرة ومشهـورة رحمـه اللـه ورحمنـا بـه وفيها في منتصف شعبان وقعت الزلزلة العظيمـة وخربـت بحلـب وبلادهـا أماكـن ولا سيمـا منبـج فإنهـا أقلـت ساكنهـا وأزالـت محاسنهـا وكذلـك قلعة الرواندان وعملت أنا في ذلك رسالة أولها نعوذ بالله من شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها ونستعينه في طيب الإقامة بها وحسن الرحلة عنها نعم نستعيذ بالله ونستعين من سم هذه السنة فهي أم أربعة وأربعين وختمتها بقولي‏:‏ منبج أهلها حكوا دود قز عندهـم تجعل البيوت قبورا رب نعمهم فقد ألفوا مـن شجر التوت جنة وحريرا والله أعلم وصارت الزلازل تعاود حلب وغيرها سنة وبعـض أخـرى وفـي الحديـث أن كثـرة الزلازل من أشراط الساعة‏.‏

وفيها توفي طرغاي نائب طرابلس‏.‏

وفيها بلغنا أن أرتنا صاحب الروم سليمان خان ملك التتر قصده بالتتر إلى الروم فانكسر كسرة شنيعة ثم إن الشيخ حسن بن تمرتاش بن جوبان قتل وهذا من سعادة الإسلام فان المذكور كان فاسد النية لكون الملك الناصر محمد قتل أباه وأخذ ماله كما تقدم‏.‏

وفيها قطع فياض بن مهنا بن عيسى فقطع ونهب‏.‏

وفيهـا في شهر رمضان وصل إلى حلب قاضي القضاة نور الدين محمد بن الصائغ على قضاء الشافعية وهو قاض عفيف حسن السيرة عابد‏.‏

وفيهـا فـي شـوال حاصـر يلبغـا النائـب بحلـب زيـن الديـن قراخـا بـن دلغـادر التركماني بجبل الدلدل وهو عسر إلى جانب جيحان فاعتصم منه بالجبل وقتل في العسكر وأسر وجرح وما نالوا منه طائلاً فكبر قدره بذلك واشتهر اسمه وعظم على النـاس شـره وكانـت هـذه حركة رديئة من يلبغا‏.‏

وفيها توفي كمال الدين عمر بن شهاب الدين محمد بن العجمي الحلبي كان قد تفنن وعرف أصولاً وفقهاً وبحث على شرح الشافية الكافية في النحو مرة وبعض أخرى ودفن ببستانه رحمه الله وما خرج من بني العجمي مثله‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة

فيها في صفر حوصرت الكرك ونقبت وأخذ الملك الناصر أحمد وحمل إلى أخيه الملك الصالح بمصر فكان آخر العهد به‏.‏

وفيها وصل إلى ابن دلغارد أمان من السلطـان وأفـرج عـن حريمـه وكـن بحلـب واستقـر فـي الأبلستين‏.‏

وفيهـا في ربيع الآخر بلغنا وفاة الشيخ أثير الدين أبي حيان النحوي المغربي بالقاهرة كان بحراً زاخراً في النحو وهو فيه ظاهري وكان يستهزئ بالفضلاء من أهل القاهرة ويحتملونه لحقوق اشتغالهم عليه وكـان يقـول عـن نفسـه‏:‏ أنـا أبـو حيـات - بالتـاء - يعنـي بذلـك تلاميـذه ولـه مصنفات جليلة منها‏:‏ تفسير القرآن العظيم وشرح التسهيل وارتشاف الضرب من ألسنة العرب مجلد كبير جامع ومختصرات في النحو وله نظم ليس على قدر فضيلته فمن أحسنه قوله‏:‏ وقابلني في الدرس أبيض ناعـم وأسمر لدن أورثا جسمي الردى فذا هز من عطفيه رمحاً مثففاً وذال سل من جفنيه عضباً مهندا وفيها في جمادى الأولى توفي بحلب الحاج محمد بن سلمان الحلبي المعزم كان عنده ديانـة وإيثار وله مع المصروعين وقائع وعجائب‏.‏

وفيه توفي بطرابلس الأمير الفاضل صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواتدار أحد الأمـراء بطرابلس وهو واقف المدرسة الصلاحية بحلب كما تقدم وكان من أكمل الأمراء ذكياً فطناً معظماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الخط وله نظم كان كاتباً ثم صار دواتدار قبجـق بحمـاة ثـم شـاد الدواويـن بحلـب ثـم حاجبـاً بهـا ثـم دواتـدار الملـك الناصـر ثم نائباً بالإسكندرية ثم أميراً بحلب وشاد المال والوقف ثم أميراً بطرابلس رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في شعبان بلغنا وفاة الشيخ نجم الدين القحفيزي بدمشق فاضل في العربية والأصلين ظريـف حسـن الأخلـاق ومـن ذلـك أنـه أنشـد مـرة قـول الشاعر‏:‏ أيا نخلتي سلمى إلخ‏.‏

فقال له بعض التلامذة‏:‏ يا سيدي وما تيس الماء فقال الشيخ‏:‏ إن شئت أن تنظره فانظر في الخابية تره‏.‏

وفيها توفي بدمشق قاضي القضاة جلال الدين الحنفي الأطروش‏.‏

وفيها توفي الأمير علاء الدين أيدغدي الزراق أتابك عسكر حلب مسناً وله سماع وحكى لي أنه حر الأصل من أولاد المسلمين وهو فاتح قلعة خندروس كما تقدم‏.‏

وتوفي كندغدي العمري نائب البيرة مسناً عزل عنها قبل موته بأيام وعزموا علـى الكشـف عليه فستره الله بالوفاة ببركة‏.‏

محبتة للعلماء والفقراء‏.‏

وسيف الدين بلبان جركس نائب قلعة المسلمين طال مقامه بها وخلف مالاً كثيراً لبيت المال‏.‏

وفيها في شهر رمضان اتفق سيل عظيم بطرابلس وهلك فيه خلق منهم ابنا القاضي تاج الدين محمد بن البارنباري كاتب سرها وكان أحد الابنين الغريقين ناظر الجيش بها والآخر موقع الدست ورق الناس لأبيهما فقلت وفيه تضمين واهتدام‏:‏ وارحمتاه لـه فـإن مصابـه بابن يبرحـه فكيـف ابنـان ما أنصفته الحادثات رمينه بمودعين وما له قلبان وزاد نهر حماة وغرق دوراً كثيرة ولطم العاصي خرطلة شيزر فأخذها وتلفت بساتين البلد لذلك ويحتاج إعادتها إلى كلفة كبيرة‏.‏

وفيها في ذي القعدة توفي بدمشق القاضي شمس الدين محمد بـن النقيـب الشافعـي وتولـى تدريس الشامية مكانه تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي ثم تولاها السبكي بنفسه خوفاً عليها كان ابن النقيب بقية الناس ومن أهل الإيثار وأقام حرمة المنصب لما كان قاضي حلب فقيهاً كبيراً محدثاً أصولياً متواضعاً مع الضعفاء شديداً على النواب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ دخلت وأنا صبي أشتغل على الشيخ محي الدين النووي فقال لي‏:‏ أهلاً بقاضي القضاة فنظرت فلم أجد عنده أحداً غيري فقال‏:‏ اجلس يا مدرس الشامية وهذا من جملة كشف الشيخ محي الدين‏.‏

وابـن النقيـب حكى هذا بحلب قبل توليته الشامية‏.‏

وحكى لي يوماً وإن كنت قد وقفت عليه في مواضع من الكتب أنه رفع إلى أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما مسلم قتل كافراً فحكم عليه بالقود فأتاه رجل برقعة ألقاها إليه‏.‏

فيها‏:‏ يـا قاتل المسلم بالكافر جرت وما العادل كالجائر يـا مـن ببغداد وأعمالها من علماء الناس أو شاعر فبلغ الرشيد ذلك فقال لأبي يوسف‏:‏ تدارك هذا الأمر بحيلة لئلا تكون فتنة‏.‏

فطالب أبو يوسف أصحاب الدم ببينة على صحة الذمة وثبوتها فلم يأتوا بها فأسقط القود‏.‏

وحكى لنا يوماً في بعض دروسه بحلب أن مسألة ألقيت على المدرسين والفقهاء بدمشق فما حلها إلا عامل المدرسة وهي‏:‏ رجل صلى الخمس بخمسة وضوءات وبعد ذلك علم أنه ترك مسـح الرأس في أحد الوضوءات فتوضأ خمس وضوءات وصلى الخمس ثم تيقن أيضاً أنه ترك مسح الرأس في أحد الوضوءات الجواب‏:‏ يتوضأ ويصلي العشاء فيخرج عن العهدة بيقين لأن الصلاة المتروكة المسح أولاً إن كانت العشاء فقد صحت الصلوات الأربع قبلهـا وهـذه العشـاء المأمور بفعلها خاتمة الخمس وإن كانت غير العشاء فالعشاء الأولى والصلوات الخمس المعـادة والعشـاء الثالثـة صحيحـة غايتـه تـرك مسـح فـي تجديد وضوء ولهذا يجب أن يشترط عدم الحدث إلـى أن يصلـي الخمس‏.‏

ثانياً قلت‏:‏ التحقيق أن الوضوء ثانياً كان يغنيه عنه مسح الرأس وغسل الرجليـن لـأن الشـرط أنـه لـم يحـدث إلى أن يصلي الخمس ثانياً وكذلك كان ينبغي للمجيب أن يقول له‏:‏ إن كنت لم تحدث إلى الآن فامسح رأسك واغسل رجليك وصل العشاء إذ الجديد عدم وجوب التتابع وإن كنت محدثاً الآن فلا بد من الوضوء كما قال‏.‏

وفيها استرجع السلطان الملك الصالح ما باعه الملك المؤيد وابنه الأفضل بحماه والمعرة وبلادهما من أملاك بيت المال وهو بأموال عظيمة وكان غالب الملك قد طرح على الناس غصباً وقد اشتريت به تقادم إلى الملك الناصر فقال بعض المعربين في ذلك‏:‏ طرحوا علينا الملك طرح مصادر ثم استردوه بلا أثمان وإذا يد السلطان طالت واعتدت فيـد الإلـه على يد السلطان وكأنما كاشف هذا القائل فإن مدة السلطان لم تطل بعد ذلك‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وأربعين وسبعمائة

والتتار مختلفون مقتتلون من حين مات القان أبو سعيد وبلاد الشرق والعجم في غلاء ونهب وجور بسبب الخلف من حين وفاته إلى هذه السنة‏.‏

وفيها في ربيع الآخر توفي السلطان الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون بوجع المفاصل والقولنج وكان فيه ديانة ويقرأ القرآن آخر يوم موته جلس مكانه أخوه السلطان الملك الكامل شعبان وأخرج آل ملك نائب أخيه إلى نيابة صفد وقماري إلى نيابة طرابلس‏.‏

وفيهـا فـي ربيـع الآخـر نقـل يلبغـا الناصري من نيابة‏.‏

حلب إلى نيابة دمشق مكان طقزتمر وسافر طقزتمر إلى مصر بعد المبالغة في امتناعه من النقلة من الدمشق فما أجيب إلى ذلك وتوفي طقزتمر بمصر بعد مدة يسيرة وكان عنده ديانة‏.‏

وفيـه وصـل الأميـر سيـف الديـن أرقطـاي إلـى حلـب نائباً‏.‏

وأبطل الخمور والفجور بعد اشتهارها ورفع عن القرى الطرح وكثيراً من المظالم ورخص السعر وسررنا به‏.‏

وفيها عزل سيف بن فضل بن عيسى عن إمارة العرب ووليها أحمد بن مهنا وأعيد إقطاع فياض بن مهنا إليه ورضي عنه واستعيد من أيدي العرب من الإقطاعات والملك شيء كثير وجعـل خاصـاً لبيـت المـال‏.‏

وفيها في جمادى الأولى صلي بحلب صلاة الغائب على القاضي عز الدين بن المنجا الحنبلي قاضي دمشق وهو معري الأصل‏.‏

وفيها في شهر رمضان وصل القاضي بهاء الدين حسن بن جمال الدين سليمان بن ريان إلى حلب ناظراً على الجيش على عادته عوضاً عن القاضي بدر الدين محمد ابن الشهاب محمود الحلبي ثم ما مضى شهر حتى أعيد بـدر الديـن عوضـاً عـن بهـاء الديـن وهكـذا صـارت المناصب كلها بحلب قصيرة المدة كثيرة الكلفة‏.‏

قلت‏:‏ ساكنـي مصـر أيـن ذاك التأنـي والتأنـي ومـا لكـم عنه عذر يخسر الشخص مالـه ويقاسـي تعب الدهر والولاية شهر وفيها كتب على باب قلعة حلب وغيرها من القلاع نقراً في الحجر ما مضمونه مسامحة الجند بما كان يؤخذ منهم لبيت المال بعد وفاة الجندي والأمير وذلك أحد عشر يوماً وبعض يوم في وفيها قتلت الأرمن ملكهم كنداصطبل الفرنجي كان علجاً لا يداري المسلمين فخربت بلادهم وملكوا مكانه‏.‏

وفيها في أواخرها ملكت التركمان قلعة كابان وربضها بالحيلة وهي من أمنع قلاع سيس مما يلي الروم وقتلوا رجالها وسبوا النساء والأطفال فبادر صاحب سيس الجديـد لاستنقاذهـا فصادفه ابن دلغادر فأوقع بالأرمن وقتل منهم خلقاً وانهزم الباقون‏.‏

قلت‏:‏ صاحب سيس الجديـد نـادى كابـان عندي عديل روحي قلنا تأهب لغير هذا فذا فتوح على الفتوح وبعد فتحها قصد النائب بحلب أن يستنيب فيها من جهـة السلطـان فعتـا ابـن دلغـادر عـن ذلك فجهزوا عسكراً لهدمها ثم أخذتها الأرمن منه بشؤم مخالفته لولي الأمر وذلك في رجب سنة سبع وأربعين وسبعمائة‏.‏

وفيها في ذي الحجة قبض على قماري الناصرية نائب طرابلس وعلى آل ملك نائـب صفـد وولي طرابلس بيدمر البدري وصفد أرغون الناصري‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وأربعين وسبعمائة

والتتار مختلفون كما كانوا وفيها في المحرم طلب الحاج أرقطاي نائب حلب إلى مصر وارتفع شأنه وصار رأس مشورة مكـان حسنكلـي بـن البابـا فإنـه توفـي قبـل ذلـك بأيـام وفيـه أقبـل إلى حلب وبلادها من جهة الشرق جراد عظيم فكان أذاه قليلاً بحمد الله‏.‏

قلت‏:‏ رجل جراد صدها عن الفساد الصمد فكم وكم للطفه في هـذا الرجـل يـد وفيها في ربيع الأول وصل إلى حلب الأمير سيف الدين طقتمر الأحمدي نائباً نقل إليها من حماة وولي حماة مكانه أسندمر العمري‏.‏

وفيها في جمادى الأولى سافر القاضي ناصر الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب وولي كتابة السر بدمشق وتولى كتابة السر بحلب مكانـه القاضـي جمـال الديـن إبراهيـم ابـن الشهاب محمود الحلبي‏.‏

وفيها في جمادى الأولى بلغنا أن نائب الشام يلبغا خرج إلى ظاهر دمشق خوفاً من القبض عليه وشق العصا وعاضد أمراء مصر حتى خلع السلطـان الملـك الكامـل شعبـان وأجلسـوا مكانه أخاه السلطان الملك المظفر أمير حاج وسلموا إليه أخاه الكامل فكـان آخـر العهـد بـه ونـاب عـن المظفـر بمصـر الحـاج أرقطـاي المنصـور ولمـا تـم هـذا الأمر تصدق يلبغا في المملكة الحلبية وغيرها بمال كثير ذهب وفضة شكراً لله تعالى وكان هذا الملك الكامل سيء التصرف يولي المناصب غير أهلها بالبذل ويعزلهم عن قريب ببذل غيرهم وكان يقول عن نفسه أنا ثعبان لا شعبان‏.‏

وفيها في رجب توفي بحلب الأمير شهاب الدين قرطاي الأسندمري من مقدمي الألوف أمير عفيف الذيل متصون‏.‏

وفيها في مستهل رجب سافر طقتمر الأحمدي نائب حلب إلى الديار المصرية وسببه وحشة بينه وبين نائب الشام فإنه ما ساعده على خلع الكامل وحفظ أيمانه‏.‏

وفيها وقع الوباء ببلاد أزبك وخلت قرى ومدن من الناس ثم اتصل الوباء بالقرم حتى صار يخرج منها في اليوم ألف جنازة أو نحو ذلك حكى لي ذلك من أثق به من التجار ثم اتصل الوباء بالروم وهلك منهم خلق وأخبرني تاجر من أهل بلدنا قدم من تلـك البلـاد أن قاضـي القرم قال‏:‏ أحصينا من مات بالوباء فكانوا خمسة وثمانين ألف غير من لا نعرفه والوباء اليوم بقبرس والغلاء العظيم أيضاً‏.‏

وفيها في شعبان وصل إلى حلب الأمير سيف الدين بيدمر البدري نقل إليها من طرابلس وولي طرابلس مكانه وهذا البدري عنده حدة وفيه بدرة ويكتب على كثير مـن القصـص وفيها توفي بطرابلس قاضيها شهاب الدين أحمد بن شرف الزرعي وتولـى مكانـه القاضـي شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف الحموي‏.‏

وفيها في ذي الحجة صدرت بحلب واقعة غريبة وهي أن بنتاً بكراً من أولـاد أولـاد عمـرو التيزيني كرهت زوجها ابن المقصوص فلقنت كلمة الكفر لينفسخ نكاحها قبل الدخول فقالتها وهي لا تعلم معناها فأحضرهـا البـدري بـدار العـدل بحلـب وأمـر فقطعـت أذناهـا وشعرهـا علق ذلك في عنقها وشق أنفها وطيف بها على دابة بحلب وبتيزين وهي من أجمل البنات وأحياهن فشق ذلك على الناس وعمل النساء عليها عزاء في كل ناحية بحلب حتى نساء اليهود وأنكرت القلوب قبح ذلك وما أفلح البدري بعدها‏.‏

قلت‏:‏ وضـج النـاس من بدر منير يطوف مشرعاً بين الرجال ذكـرت ولا سـواء بها السبايا وقـد طافـوا بهـن علـى الجمال وفيه ورد البريد بتوليه السيد علاء الدين علي بن زهرة الحسيني نقابة الأشراف بحلب مكان ابن عمه الأمير شمس الدين حسن بن السيد بدر الدين محمد بن زهرة وأعطي هذا إمارة طبلخانات بحلب‏.‏